فصل: قال ابن القيم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {فَهُوَ يَهْدِينِ} جملةٌ اسميةٌ في محلِّ رفعٍ خبرًا له. قال الحوفي: ودَخَلَتِ الفاءُ لِما تَضَمَّنه المبتدأُ مِنْ معنى الشرط. وهذا مردودٌ؛ لأنَّ الموصولَ مُعَيَّنٌ ليس عامًَّا، ولأنَّ الصلةَ لا يمكنُ فيها التجدُّدُ، فلم يُشْبِهِ الشرطَ. وتابع أبو البقاء الحوفيَّ ولكنه لم يتعرَّضْ للفاء. فإنْ عنى ما عناه الحوفيُّ فقد تقدَّمَ ما فيه. وإن لم يَعْنِهِ فيكونُ تابعًا للأخفش في تجويزِه زيادةَ الفاءِ في الخبر مطلقًا نحو: زيدٌ فاضربه، وقد تقدَّم تحريرُه.
{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)}.
قوله: {والذي هُوَ يُطْعِمُنِي}: يجوز أن يكونَ مبتدًا، وخبرُه محذوفٌ. وكذلك ما بعده. ويجوزُ أَنْ يكونوا أوصافًا للذي خَلَقني. ودخولُ الواوِ جائزٌ. وقد تقدَّم تحقيقُه في أولِ البقرةِ كقوله:
إلى المَلِكِ القَرْمِ وابنِ الهُمامِ ** وليثِ الكتيبةِ في المُزْدَحَمْ

وأثبت ابنُ أبي إسحاقَ وتُرْوى عن عاصم أيضًا ياءَ المتكلمِ في {يَسْقِينِ} و{يَشْفِينْ} و{يُحْيِيْنِ}. والعامَّةُ {خَطِيئَتي} بالإفرادِ. والحسن {خطاياي} جمعَ تكسيرٍ.
{وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)}.
قوله: {مِن وَرَثَةِ}: إمَّا أَنْ يكونَ مفعولًا ثانيًا أي: مستقِرًَّا أو كائنًا مِنْ وَرَثَةِ، وإمَّا أَنْ يكونَ صفةً لمحذوفٍ هو المفعولُ الثاني، أي: وارِثًا مِنْ وَرَثَةِ.
قوله: {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ}: بدلٌ مِنْ {يوم} قبلَه. وجعل ابنُ عطيةَ هذا من كلامِ اللهِ تعالى. إلى آخر الآياتِ مع إعرابِه {يومَ لا ينفعُ} بدلًا مِنْ {يوم يُبْعَثون}. ورَدَّه الشيخُ: بأنَّ العامِلَ في البدلِ هو العامِلُ في المبدلِ منه، أو آخرُ مثلُه مقدَّرٌ. وعلى كِلا هذين القولَين لا يَصِحُّ لاختلافِ المتكلِّمين.
قوله: {إِلاَّ مَنْ أَتَى الله}: فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه منقطِعٌ أي: لكنْ مَنْ أتى اللهَ بقَلْبٍ سليمٍ فإنه ينفَعُه ذلك. وقال الزمخشري: ولابد لك مع ذلك مِنْ تقديرِ مضافٍ وهو الحالُ المرادُ بها السلامةُ، وليست من جنسِ المالِ والبنينَ، حتى يَئول المعنى إلى: أنَّ البنينَ والمالَ لا ينفعانِ، وإنما ينفعُ سَلامةُ القلبِ، ولو لم يُقَدَّرِ المُضافُ لم يَتَحصَّلْ للاستثناءِ معنى.
قال الشيخ: ولا ضرورةَ تَدْعُو ألى حذفِ المضافِ كما ذكر. قلت: إنما قَدَّرَ المضافَ ليُتَوَهَّمَ دخولُ المستثنى في المستثنى منه؛ لأنه متى لم يُتَوَهَّمْ ذلك لم يَقعِ الاستثناءُ، ولهذا مَنَعوا: صَهَلَتِ الخيلُ إلاَّ الإِبِلَ إلاَّ بتأويلٍ.
الثاني: أنه مفعولٌ به لقوله: {لا يَنْفَعُ} أي: لا ينفعُ المالُ والبنونَ إلاَّ هذا الشخصَ فإنه ينفَعُه فإنه ينفَعُه مالُه المصروفُ في وجوهِ البِرِّ، وبنوه الصلحاءُ، لأنه عَلَّمهم وأحسنَ إليهم. الثالث: أنه بدلٌ مِن المفعولِ المحذوفِ، أو مستثنى منه، إذ التقديرُ: لا ينفعُ مالٌ ولا بنونَ أحدًا من الناس إلاَّ مَنْ كانت هذه صفتَه. والمستثنى منه يُحْذَفُ كقوله:
ولم يَنْجُ إلاَّ جَفْنَ سيفٍ ومِئْزرا *
أي: ولم يَنْجُ بشيءٍ. الرابع: أنه بدلٌ مِنْ فاعلٍ {يَنْفَعُ} فيكون مرفوعًا. قال أبو البقاء: وغَلَّبَ مَنْ يَعْقِلُ فيكون التقديرُ: إلاَّ مالُ مَنْ، أو بنو مَنْ فإنه ينفع نفسَه وغيرَه بالشفاعة.
قلت: وأبو البقاء خَلَط وجهًا بوجهٍ: وذلك أنه إذا أرَدْنا أن نجعلَه بدلًا من فاعل ينفع فلنا فيه طريقان، أحدهما: طريقةُ التغليب أي: غَلَّبْنا البنين على المالِ، فاستثنى من البنين، فكأنه قيل: لا ينفعُ البنونَ إلاَّ مَنْ أتى مِن البنين بقلبٍ سليم فإنه ينفع نفسَه بصلاحِه، وغيرَه بالشفاعةِ.
والطريقة الثانية: أَنْ تُقَدِّر مضافًا محذوفًا قبل {مَنْ} أي: إلاَّ مالُ مَنْ أو بنو مَنْ فصارَتِ الأوجُه خمسةً.
ووجَّه الزمخشريُّ اتصالَ الاستثناءِ، بوجهين، أحدُهما: إلاَّ حالَ مَنْ أتى اللهِ بقلبٍ سليمٍ، وهو مِنْ قوله:
تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ ** وما ثوابُه إلاَّ السيفُ

ومثاله أن يقال: هل لزيدٍ مالٌ وبنون؟ فيقال: مالُه وبَنُوه سلامةُ قلبِه. تريد نَفْيَ المالِ والبنين عنه، وإثباتَ سلامةِ قلبِه بدلًا عن ذلك. والثاني قال: وإن شِئْتَ حَمَلْتَ الكلامَ على المعنى وجَعَلْتَ المالَ والبنين في معنى الغنى، كأنه قيل: يومَ لا يَنْفع غِنَى إلاَّ غَنى مَنْ أتى، لأنَّ غِنى الرجلِ في دينِه بسلامةِ قلبِه، كما أنَّ غِناه في دنياه بمالِه وبنيه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء: 78- 81] يسأل عن زيادة الضمير في قوله: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} وفي قوله: {فَهُوَ يَشْفِينِ}؟ ولم لم يدخل في قوله: {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ}؟
والجواب: أن أمر الإماتة والإحياء لا مطمع فيه لأحد بخلاف أمر الإطعام والسقي، إذ قد يتوهم من ضعف نظره أن ذلك مما تصح فيه النسبة لغيره تعالى إذ يقال: أطعمني فلان وسقاني، ويسبق إلى الوهم الاستقلال، وإنما ذلك على المجاز، ولا يقال أمات فلان فلانًا أو أحياه إلا ويسبق إلى الوهم ما الأمر عليه من المجاز، فلما كان أمر الإماتة والإحياء ونسبة ذلك إليه تعالى مما لا يخفى على أد لم يحتج إلى الضمير، واحتيج إليه فيما قبل لرفع الإيهام، إذ مفهومه أنه هو لا غيره يطعمني ويسقيني، فاحتيج إلى {هو} هنا ليحرز ما ذكرنا، ولم يحتج إليه في قوله: {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} لأنه لا يتوهم أن غيره يفعل ذلك، فجاء كل على ما يجب ويناسب، وسنزيد هذا بيانًا في سورة النجم إن شاء الله، والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)}.
ذَكَرَهم بأقلِّ عبارة فلم يقل: فإنهم أعداءٌ لي، بل وَصَفَهم بالمصدر الذي يصلح أن يوصَفَ به الواحد والجماعة فقال: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّى}.
ثم قال: {إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ}، وهذا استثناء منقطع، وكأنه يضرب بلطفٍ عن ذِكْرِهم صفحًا حتى يتوصَّلَ إلى ذكر الله، ثم أخذ في شرح وصفه كأنه لا يكاد يسكت، إذ مضى يقول: والذي والذي والذي..، ومن أمارات المحبة كَثْرَةُ ذِكْرِ محبوبك، ولإعراضُ عن ذكرِ غيره، فتَنَزُّهُ المحبين بتقلُّبِهم في رياض ذِكْرِ محبوبهم، والزهَّادُ يعددون أورادهم، وأَربابُ الحوائج يعددون مآربَهم، فيطنبون في دعائهم، والمحبون يُسْهِبونَ في الثناء على محبوبهم.
{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)}.
كان مهتدايًا، ولكنه يقصد بالهداية التي ذَكَرها فيما يستقبله من الوقت، أي: يهديني إليه به، فإنِّي مَحْقٌ في وجوده وليس لي خَبَرٌ غنِّي!
والقوم حين يكونون مستغرقين في نفوسهم لا يهتدون من نفوسهم إلى معبودهم، فيهديهم عنهم إلى ربهم، ويصيرون في نهايتهم مستهلكين في وجوده، فانين عن أوصافهم، وتصير معارِفُهم- التي كانت لهم- واهيةً ضعيفةً، فيهديهم إليه.
{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)}.
لم يُشِرْ إلى طعامٍ معهودٍ أو شرابٍ مألوفٍ ولكن أشار إلى استقلاله به من حيث المعرفة بدل استقلال غيره بطعامهم، وإلى شراب محبته الذي يقوم بل استقلال غيره بشرابهم.
{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)}.
لم يَقُلْ: وإذا أمرضني لأنه حفظ أدبَ الخطاب.
ويقال لم يكن ذلك مرضًا معلومًا، ولكنه أراد تمارضًا، كما يتمارض الأحبابُ طمعًا في العيادة، قال بعضهم:
إن كان يمنعكَ الوشاةُ زيارتي ** فادخُلْ عليَّ بِعَلَّةِ العُوَّادِ

ويقول آخر:
يَوَدُّ بأن يمشِي سقيمًا لَعَلَّها ** إذا سَمِعَتْ منه بشَكْوى تُرَاسِلُه

ويقال ذلك الشفاءُ الذي أشار إليه الخليلُ هو أن يَبْعَثَ إليه جبريلَ ويقول له: يقول لَكَ مولاك كيف كنتَ البارحة؟.
{وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)}.
أضاف الموتَ إلى الله؛ فالموتُ فوق المرض، لأن الموتَ لهم غنيمةٌ ونعمةٌ؛ إذ يَصِلُون إليه بأرواحهم.
ويقال: {يُمِيتُنِى} بإعراضه عني وقت تعزُّزِه، {ويحييني} بإقباله عليَّ حين تَفَضُّلِه. ويقال يميتني عني ويحييني به.
{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)}.
خطيئةُ الأحبابِ شهودُهم محنتَهم، وتعنِّيهم عند شدة البلاء عليهم، وشكواهم مما يمُّسهم من برحاء الاشتياق، قال بعضهم:
وإذا محاسني- اللاتي أُدِلُّ بها-... كانت ذنوبي، فَقُلْ لي: كيف أعتذر.
{رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)}.
{هَبْ لِى حُكْمًا}: على نفسي، فإنَّ مَنْ لا حُكْمَ له على نفسه لا حَكْمَ له على غيره.
{وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ}: فأقومَ بِحقِّكَ دونَ الرجوع إلى طلب الاستقلال بشيءٍ. دون حقك.
{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)}.
في التفاسير: {لِسَانَ صِدْقٍ}: أي ثناء حسنًا على لسان أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ويقال لا أذكرك إلا بك، ولا أعرفك إلا بك.
ويقال أن أذكرك ببيان آلائك، وأذكرك بعد قبض روحي إلى الأبد بذكرٍ مُسرمَدٍ.
ويقال أذكرني على لسان المخبرين عنك.
{وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86)}.
على لسان العلماء: قالَه بعد يأسه من إيمان أبيه، وأمَّا على لسان الإشارة فقد ذَكَرَه في وقت غَلَبَاتِ البَسْطِ ويُتَجَاوَزُ ذلك عنهم.
وليست إجابةُ العبد واجبًا على الله في كل شيء، فإذا لم يُجَبْ فإنَّ للعبد سلوةً في ذكر أمثال هذا الخطاب، وهذا لا يهتدي إليه كلُّ أحدٍ.
{وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)} أي لا تُخْجِلْني بتذكيري خلَّتي، فإنّ شهودَ ما مِن العبد- عند أرباب القلوب وأصحاب الخصوص- أشَدُّ عقوبة.
{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)}.
قيل: القلب السليم اللديغ.
وقيل هو الذي سَلِمَ من الضلالة ثم من البِدعة ثم من الغفلة ثم من الغيبة ثم من الحجبة ثم من المُضاجعة ثم من المساكنة ثم من الملاحظة. هذه كلها آفاتٌ، والأكابرُ سَلِمُوا منها، والأصاغرُ امتُحِنُوا بها.
ويقال: القلب السليم الذي سَلِمَ من إرادة نَفْسِه. اهـ.

.قال ابن القيم:

قوله تعالى {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} [الشعراء: 88].
والسليم هو السالم وجاء على هذا المثال لأنه للصفات كالطويل والقصير والظريف فالسليم القلب الذي قد صارت السلامة صفة ثابتة له كالعليم والقدير وأيضا فإنه ضد المريض والسقيم والعليل.
وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم والأمر الجامع لذلك: أنه الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهة تعارض خبره فسلم من عبودية ما سواه وسلم من تحكيم غير رسوله فسلم في محبة الله مع تحكيمه لرسوله في خوفه ورجائه والتوكل عليه والإنابة إليه والذل له وإيثار مرضاته في كل حال والتباعد من سخطه بكل طريق وهذا هو حقيقة العبودية التي لا تصلح إلا لله وحده قالقلب السليم: هو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما بل قد خلصت عبوديته لله تعالى إرادة ومحبة وتوكلا وإنابة وإخباتا وخشية ورجاء وخلص عمله لله فإن أحب أحب في الله وإن أبغض أبغض في الله وإن أعطى أعطى لله وإن منع منع لله ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكيم لكل من عدا رسولهصلى الله عليه وسلم فيعقد قلبه معه عقدا محكما على الائتمام والاقتداء به وحده دون كل أحد في الأقوال والأعمال من أقوال القلب وهي العقائد وأقوال اللسان وهي الخبر عما في القلب وأعمال القلب وهي الإرادة والمحبة والكراهة وتوابعها وأعمال الجوارح فيكون الحاكم عليه في ذلك كله دقعه وجله هو ما جاء به الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فلا يتقدم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل كما قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله} [الحجرات: 1] أي لا تقولوا حتى يقول ولا تفعلوا حتى يأمر قال بعض السلف: ما من فعلة وإن صغرت إلا ينشر لها ديوانان: لم وكيف أي لم فعلت وكيف فعلت فالأول سؤال عن علة الفعل وباعثه وداعيه: هل هو حظ عاجل من حظوظ العامل وغرض من أغراض الدنيا في محبة المدح من الناس أو خوف ذمهم أو استجلاب محبوب عاجل أو دفع مكروه عاجل أم الباعث على الفعل القيام بحق العبودية وطلب التودد والتقرب إلى الرب سبحانه وتعالى وابتغاء الوسيلة إليه ومحل هذا السؤال: أنه هل كان عليك أن تفعل هذا الفعل لمولاك أم فعلته لحظك وهواك.
والثاني: سؤال عن متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك التعبد أي هل كان ذلك العمل مما شرعته لك على لسان رسولي أم كان عملا لم أشرعه ولم أرضه.
فالأول سؤال عن الإخلاص والثاني عن المتابعة فإن الله سبحانه لا يقبل عملا إلا بهما.
فطريق التخلص من السؤال الأول: بتجريد الإخلاص وطريق التخلص من السؤال الثاني: بتحقيق المتابعة وسلامة القلب من إرادة تعارض الإخلاص وهوى يعارض الاتباع فهذا حقيقة سلامة القلب الذي ضمنت له النجاة والسعادة.